الميليشيات الموالية لإيران في سوريا: صورة الأوضاع

الوجود الإيراني والميليشيات المحلية (صفحة المرصد السوري لحقوق الإنسان على الفيسبوك، 3 كانون الثاني / يناير 2022)

الوجود الإيراني والميليشيات المحلية (صفحة المرصد السوري لحقوق الإنسان على الفيسبوك، 3 كانون الثاني / يناير 2022)

القائد السابق للقوات الإيرانية في سوريا جواد غفاري وقائد الفوج 47 في البوكمال (صفحة sadaa alsharqia على فيسبوك، 14 نوفمبر 2021)

القائد السابق للقوات الإيرانية في سوريا جواد غفاري وقائد الفوج 47 في البوكمال (صفحة sadaa alsharqia على فيسبوك، 14 نوفمبر 2021)

الدكتور ايلي غاليا
ملخص صورة الوضع[1]
  • في سوريا، التي تشكل المركز الجغرافي للمحور الراديكالي الذي تقوده إيران، فإن الميليشيات الموالية لإيران، والتي تم جلب بعضها من قبل إيران وبعضها تم إنشاؤه على أساس السكان المحليين بمبادرة من الحرس الثوري الإيراني، لتحقق غرضًا مركزيًا واحدًا ألا وهو ضمان استمرار حكم الرئيس بشار الأسد، بحجة حماية الأماكن المقدسة للشيعة. منذ حسم الحرب الأهلية السورية التي اندلعت في عام 2011 بانتصار الأسد، تستمر محاولاته الرامية لزيادة استقرار مؤسسات الدولة وإعادة بناء الجيش، تُستخدم الميليشيات الموالية لإيران كأداة إضافية لترسيخ الاستراتيجية الإيرانية في سوريا ولبنان.
  • يبلغ عدد أفراد الميليشيات الموالية لإيران حاليًا أكثر من 60,000 عنصر الذين ينتشرون في عدد من البؤر، وأهمها: على طول نهر الفرات، في مدينة حلب وضواحيها، في عمق الصحراء السورية، في منطقة دمشق وفي جنوب الدولة. يدور الحديث عن الميليشيات الشيعية الآسيوية، التي تُعتبر “قوة داعمة”. إلى جانبها يتم تجنيد القوات المحلية، التي تشكل الجزء الأكبر من مجموعة الميليشيات الموالية لإيران في إطار مما يسمى “قوات الدفاع المحلية”.
  • إن وجود الميليشيات الموالية لإيران ملحوظ بشكل خاص في شرق سوريا وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة لدرجة أن البعض يسميها ” مستعمرة إيرانية”. يدور الحديث عن ممر بري يُستخدم لنقل الوسائل القتالية من إيران، عبر العراق، إلى سوريا ومنها إلى لبنان، إلى جانب الجهود الرامية إلى التعاظم من خلال الإنتاج المحلي. يهدف التواجد في الصحراء السورية في المقام الأول إلى تأمين المنشآت الحيوية من هجمات داعش، في حين يتميز التواجد في منطقة حلب وجنوبي دمشق إلى حد كبير بالصلة التي حاكتها الميليشيات الموالية لإيران مع المجتمعات السورية المحلية.
  • منذ منتصف عام 2021، وبشكل خاص منذ أوائل عام 2022، وسعت الميليشيات الموالية لإيران مناطق انتشارها في سوريا. يرجح أن بعض التغييرات على انتشار القوات التي شوهدت في شرق الدولة وجنوبها ترجع إلى تقليص الوجود الروسي في المنطقة[2] ومحاولات الميليشيات تفادي الهجمات الإسرائيلية والأمريكية.
  • من بين جميع الميليشيات وعناصر القوة العاملة في سوريا تحت الرعاية الإيرانية، يشكل حزب الله اللبناني التهديد العسكري التقليدي الأكبر بالنسبة لإسرائيل. يبذل عناصر التنظيم في سوريا جهودًا لبناء منظومة لجمع المعلومات الاستخباراتية بمحاذاة الحدود في مرتفعات الجولان تهدف، من بين أمور أخرى، إلى أن تكون بمثابة بنية تحتية للتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية وفقًا لسياسة إيران، التي تسعى إلى الحفاظ على “محور المقاومة” الذي يهدد إسرائيل من خلال التنظيمات العاملة بالوكالة عنها (Proxies).
  • إن تواجد الميليشيات الموالية لإيران في سوريا هو جزء من التدخل الإيراني الشامل في سوريا، والذي يهدف إلى زيادة نفوذها وتموضعها في الدولة، وضمان استمرار اعتماد سوريا على إيران، وترسيخ موطئ قدم أمامي لإيران في منطقة الشام، بالإضافة إلى دعمها المطلق لمنظمة حزب الله في لبنان.

معلومات أساسية

  • بدأت إيران مشاركتها في القتال في سوريا منذ المراحل الأولى للحرب الأهلية بالدرجة الأولى من أجل منع انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. على المدى الأطول، وبطريقة غير مسبوقة، هي تهدف إلى ضمان سيطرة القبضة الإيرانية على الأراضي السورية باعتبارها قاعدة أمامية في الشرق الأوسط. يتحقق ذلك، من بين أمور أخرى، من خلال الميليشيات الشيعية الآسيوية التي تخضع لسيطرة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. هذه الميليشيات تم “استيرادها” إلى سوريا من أجل ترجيح الكفة لصالح الرئيس الأسد وأصبحت نوعًا من “الفيلق الأجنبي الشيعي التابع لإيران”.[3]
  • حتى سبتمبر 2015، وجدت المشاركة الإيرانية في سوريا تعبيرها من خلال بضع مئات من المستشارين الإيرانيين وعدة آلاف من المقاتلين الشيعة، بيد أن المكاسب التراكمية التي حققتها داعش والجماعات المتمردة السنية، وعلى رأسها المنظمات الجهادية في محافظتيْ إدلب وحلب، دفعت إيران إلى زيادة دعمها لنظام الأسد بشكل كبير وتعزيز قواتها في سوريا بآلاف المقاتلين الآخرين. احتلال حلب، واستعادة غوطة دمشق [4]من قبل النظام السوري والقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، هي ثلاث خطوات عملياتية رئيسية حققت تحولاً في الحرب الأهلية السورية، وسمحت لإيران بتقليل عدد قواتها والاعتماد بشكل أساسي على مقاتلي حزب الله والميليشيات الشيعية الأجنبية التي عملت إلى جانب الجيش السوري.[5] مع تضاؤل حدة القتال، انتقل الحرس الثوري الإيراني إلى مهمة زيادة نفوذ إيران في سوريا على مستويات أخرى، وزيادة موطئ قدم إيران في سوريا ليبلغ ذروته خلال الأعوام 2016-2019، وفقًا لرؤية قاسم سليماني،[6] مهندس التموضع الإيراني في سوريا.
  • على الصعيد الداخلي، لم تؤدِ الحرب الأهلية إلى تآكل قوة الجيش السوري وفقدان الوسائل القتالية وانهيار الأنظمة العملياتية فحسب، بل أدت أيضًا إلى استنزاف كبير لقوات الجيش السوري بسبب الخسائر البشرية التي تكبدتها (مقتل عشرات الآلاف من الضباط والجنود)، وانتشار ظواهر التهرب من الخدمة والانشقاق عن الجيش وانعدام الدافعية وقلة التدريب والتشكيك في ولاء الجنود في أعين قادتهم. كل هذه الأشياء أدت إلى عدم قدرة الجيش السوري على الوفاء بحصص التجنيد لديه، لدرجة أنه لم تتمكن ولا واحدة من الفرق العشرين (البرية) خلال سنوات الحرب من الاستفادة سوى من ثلث قدرتها العملياتية.[7]
  • أدى النقص الشديد في عدد المقاتلين بمسؤولي فيلق القدس إلى إصدار توصية للجيش السوري بإنشاء أطر مسلحة جديدة تنشط على الصعيد القُطري أو المحلي، على أساس “طوعي”، والتي سيتم إنشاؤها على أساس الانتماءات الدينية-الطائفية أو النزعة السياسية. بهذا الشكل، تم خلال الحرب تشكيل المئات من الميليشيات القطاعية المحلية، بأحجام وخصائص مختلفة، والتي قاتلت إلى جانب الجيش السوري وفقًا لمهامه القتالية. حيث كانت إحدى أكبرها وأكثرها هيمنة “قوات الدفاع الوطني”، فيما يبدو أنه النسخة السورية للبسيج الإيراني،[8] ونسخة مسلحة مطورة عن “اللجان الشعبية” التي أسسها حزب البعث آنذاك.[9] عند تشكيلها، هي أصبحت تُعرف باسم”القوات الرديفة”، أي القوات المساعدة أو الاحتياطية، التي كانت وظيفتها تتمثل بالعمل بصفة قوة وحشية لقمع الثورة دون اعتبارها قوات عسكرية عضوية. وفقًا لرواية المعارضة التي باتت تتشكل في سوريا، واستنادًا إلى الشهادات المتراكمة، شاركت هذه الميليشيات الموالية لإيران في ارتكاب عشرات المجازر وأحداث التنكيل بحق المدنيين السوريين في جميع أنحاء الدولة.[10]
  • كلما سعت إيران إلى زيادة نفوذها العسكري والأمني في سوريا، هي عملت على دمج الميليشيات المحلية الموالية لها في جيش الأسد في إطار ما يسمى بـ “قوات الدفاع المحلي”[11] لمنحها الوضع القانوني والحماية من الغارات الجوية الإسرائيلية أو الأمريكية، في نوع من المشروع المشترك بين الجيش السوري والحرس الثوري، الذي يجمع بين الضباط من كلا جانبي مخطط الهيكل القيادي. وفعلاً، في السنوات الثلاث الماضية، ومع انحسار القتال على الجبهات ضد المنظمات المتمردة وتحول القتال ضد داعش إلى حرب عصابات، لوحظت محاولة إيرانية لتعزيز الميليشيات المحلية الموالية لإيران والاعتماد المتزايد على المقاتلين السوريين المحليين كبديل عن الوجود الإيراني على الأرض.[12] وجاء في تقرير نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان في ديسمبر / كانون الأول 2021 أن عدد أفراد الميليشيات الموالية لإيران، سواء من السوريين أو غير السوريين، المتواجدين في سوريا يقدر بنحو 65500.[13]
الوجود الإيراني والميليشيات المحلية (صفحة المرصد السوري لحقوق الإنسان على الفيسبوك، 3 كانون الثاني / يناير 2022)
الوجود الإيراني والميليشيات المحلية (صفحة المرصد السوري لحقوق الإنسان على الفيسبوك، 3 كانون الثاني / يناير 2022)
المنهجية
  • يستند هذا البحث، الذي يعتمد على قنوات مفتوحة للمعلومات، إلى قدر كبير على مصادر سورية محلية، معظمها معارضة لنظام الأسد، وبعضها حصري، التي تسعى إلى وصف وجود الميليشيات الموالية لإيران في سوريا وتداعياته. سيتناول المقال بالتفصيل الفئات الرئيسية التي يمكن أن تسند إليها الميليشيات، ومواقع انتشارها حسب التصنيف الجغرافي، وطبيعة مهامها. ومع إطالة وجود هذه الميليشيات واتضاح الجهود الإيرانية للحفاظ على هذه القدرة على مدار فترة طويلة، يمكن ملاحظة نطاق وخصائص الأنشطة المختلفة من منطقة إلى أخرى، سواء بسبب مصالح إيران أو غيرها من الظروف السياسية أو الأمنية أو المحلية، بما في ذلك محاولات نظام الأسد لفرض قيود على الإيرانيين، ولكن ليس دائما بنجاح كبير.
  • علاوة على ذلك، لا يدعي البحث أنه يشمل جميع المستويات المتعلقة بضلوع إيران في سوريا وتحولها إلى ساحة نفوذ استراتيجية في المنطقة. ويهدف هذا الضلوع، الذي يبتغي ترسيخ الجذور في سوريا على المدى الطويل، من ناحية، إلى التأثير على التطورات في البلاد وضمان استمرار اعتماد دمشق على طهران، ومن ناحية أخرى، لبناء تشكيلات استراتيجية، وعلى رأسها إنشاء “ممرات” لنقل الوسائل القتالية لأجل حزب الله في لبنان، الذي يشكل جبهة أمامية ورئيسية لـ “محور المقاومة” في مواجهة إسرائيل. يشمل هذا التموضع الاستثمارات الاقتصادية، والمشاريع العسكرية المشتركة، وإنشاء البنية التحتية المحلية لإنتاج الوسائل القتالية المتطورة، وتشكيل خلايا إرهابية وحتى محاولات التسلل إلى أروقة المؤسسة العسكرية السورية. إلى جانب كل ذلك، هناك أيضًا استثمار في عناصر “القوة الناعمة”، مثل إنشاء المؤسسات الاجتماعية والثقافية، والترويج لرموز التشيع، ونقل السكان الشيعة، وغير ذلك، والتي، على الرغم من أنها تتجاوز الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران، إلا أنها تعزز مكانة إيران على حدود إسرائيل. 

[1] كُتب هذا البحث بقلم الدكتور إيلي غاليا، وهو باحث في الشؤون السورية ومؤلف كتاب " جورج حبش - سيرة ذاتية سياسية".
[2] في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا العام الماضي.
[3] إفرايم كام، "الفيلق الأجنبي الشيعي الإيراني"، تقييم استراتيجي، المجلد 20، العدد 3، أكتوبر 2017، ص. 1.
[4] اسم أطلِق على حوض دمشق الذي كانت أجزاؤه الشرقية تحت سيطرة الجماعات المتمردة.
[5] راز تسيمت، "إيران في عصر ما بعد الدولة الإسلامية: الأهداف والفرص والتحديات"، مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب على اسم اللواء مئير عميت، ص 6-7.
[6] قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري من 1998 إلى 2020. هذا الفيلق مسؤول عن أنشطة الحرس الثوري خارج حدود إيران. قُتل سليماني في غارة أمريكية في العراق.
[7] Tom Cooper, What's Left of the Syrian Arab Army, 18.5.2016
[8] منظمة تطوعية تأسست في إيران بعد الثورة الإسلامية (1979) وتخضع للحرس الثوري.
[9] Ibid
[10] أحمد طلب الناصر، بالتفاصيل والأرقام، رصد شامل للميليشيات الإيرانية في سوريا، 21.08.2020, https://www.syria.tv
[11] المصطلح الذي يُستخدم باللغة الإنجليزية للإشارة إلى قوات الدفاع الوطني هو National Defense Forces (NDF) أما بخصوص "قوات الدفاع المحلي" فهو Local Defense Forces (LDF)
[12] يوغيف الباز، "هنا لتبقى: الضلوع الإيراني في سوريا، 2011-2021"، التقييم الاستراتيجي - منصة سياسية، المجلد 24، العدد 4، نوفمبر 2021.
[13] إيران وميليشياتها خلال 2021 أكثر من 160 قتيلاً في الاستهدافان الجوية والبرية.. وملف التغيير الديمغرافي يتصدر المشهد في ظل التمدد والتغلغل الكبير على كامل التراب السوري، 29.12.2021, https://www.syriahr.com