حجم المشاركة الإيرانية في معركة تحرير مدينة الفلوجة – بقلم: د. راز تسميت



قاسم سليماني (الثاني من اليسار) في غرفة عمليات المليشيات الشيعية المساندة للجيش العراقي[1] في معركته لاحتلال مدينة الفلوجة (qasemsoleimani.ir, 23 أيار/ مايو 2016).

أهم الأحداث

1.   في 22 أيار/ مايو 2016 أعلن رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي عن بداية المعركة لتحرير مدينة الفلوجة من قبضة داعش. تقع مدينة الفلوجة على مبعدة نحو 54 كيلومتراً إلى الغرب من بغداد، وهي ما تبقى لداعش من معاقل في محافظة الأنبار السنية في غرب العراق. تشرف على غدارة معركة تحرير الفلوجة قوات الأمن العراقية بمشاركة مليشيات شيعية وسنية وبمساعدة أمريكية.

2.   منذ بداية معركة تحرير الفلوجة نشرت وسائل الإعلام الإيرانية تقارير تُبرز تدخل إيران وتدخل المليشيات الشيعية العراقية التي تعمل تحت رعايتها في معركة تحرير الفلوجة. وفي سياق متصل قالت وسائل إعلام إيرانية أن قاسم سليماني، قائد قوة قدس في الحرس الثوري الإيراني، يتواجد في منطقة الفلوجة ويلعب دوراً مركزياً في إدارة المعركة لتحرير الفلوجة.


قاسم سليماني في منطقة الفلوجة بعد بداية المعركة لتحرير المدينة (تويتر، 25 أيار/ مايو 2016).

3.   المليشيات الشيعية العاملة بتوجيه ومساعدة إيرانية تساهم فعلاً في المعركة لتحرير الفلوجة.لكن في حقيقة المر هناك فرق بين مدى تدخل إيران ومبعوثيها في القتال وبين الطريقة التي اختارها الإيرانيون لتصوير هذا التدخل. ففي حين تلعب قوات الأمن العراقية (وعلى رأسها قوة مكافحة الإرهاب) دوراً مركزياً في المعركة، تسعى التقارير الإيرانية لإبراز دور قاسم سليماني ودور المليشيات الشيعية في المعركة. اما على الصعيد العملي فيبدو لنا أن وظيفة المليشيات الشيعية تقتصر على فرض الحصار حول المدينة وأن النظام العراقي لا ينوي السماح لتلك المليشيات بالدخول إلى المدينة. وذلك بالأساس بسبب معارضة أمريكا وخشية النظام العراقي من الأعمال الانتقامية التي قد تمارسها المليشيات الشيعية بحق السكان السنة في مدينة الفلوجة، والتي من شأنها تعميق الشرخ الشيعي- السني والتأثير على استمرار المعركة ضد داعش.

 

4.   ليست هذه هي أول مرة يُكتشف فيها فرق بين تدخل غيران والمليشيات الشيعية في القتال الفعلي وبين الطريقة المُبالغ فيها التي تستخدمها إيران لتصوير هذا التدخل, حيث أبرزت وسائل الإعلام الإيرانية سابقاً الدور الذي لعبه الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية في القتال لتحرير مدينة الرمادي في كانون أول/ ديسمبر 2015، مع أن دورهم في احتلال المدينة كان هامشيا. وبعد احتلال مدينة الرمادي حاولت المليشيات الشيعية التي تعمل تحت رعاية إيران ضمان دمجها في مواصلة المعركة ضد داعش. لكن وعلى ما يبدو فقط آثر النظام المركزي في بغداد مواصلة الاعتماد بالأساس على قوات غير شيعية والاستعانة بالولايات المتحدة.

5.   وقد زادت الانتقادات من داخل العراق في الشهور الأخيرة لتدخل إيران بدعوى أن هذا التدخل يشجع على تعميق الشرخ الطائفي ويشكل تدخلاً في شؤون العراق الداخلية.وقد بلغت تلك الانتقادات ذروتها خلال الأزمة السياسية التي اندلعت في شهر نيسان/ أبريل 2016 بين رئيس الحكومة العبادي وبين البرلمان العراقي على خلفية محاولة العبادي الدفع باتجاه تطبيق مشروع إصلاحي. وخلال استيلاء أنصار مقتدى الصدر (شخصية دينية شيعية ذات نفوذ سياسي) مؤقتاً على بناية البرلمان العراقي، تعالت هتافات المتظاهرين المعادية بشدة لإيران واحتج المتظاهرون على محاولات غيران التدخل في التطورات السياسية في البلاد.

6.   كذل هناك أسباب إيرانية داخلية أخرى لتقييد تدخل إيران والمليشيات الشيعية بالقتال في الفلوجة، وأهمها تراجع أهمية العراق على سلم الأوليات الاستراتيجي خلال السنة الخيرة. ففي حين يبدو بوضوح أن داعش يضعف ويتراجع في العراق ويتراجع معه الخطر الذي يتهدد إيران، فإن إيران في سوريا مضطرة على مواصلة التعامل مع الأزمة المتواصلة التي المت بالنظام السوري مع تدخل روسيا بالقتال. وهذه السباب مجتمعة أدت إلى نقل معظم اهتمام غيران من العراق إلى سوريا. وبالرغم من الإنجازات الكبيرة التي تحققت للقوات المساندة لنظام الأسد خلال الأشهر الأخيرة، لم تُحسم المعركة بعد في سوريا وما زالت تشكل بالنسبة فيران وللحرس الثوري تحدياً هاماً، وأهميته بالنسبة لإيران في الوقت الحالي أكبر من أهمية العراق.

7.   ومع ذلك وبرغم ما تواجهه إيران من صعوبات وتحديات، إلا أنها مصرة على أن تكتسب لنفسها موقعاً مركزياً في الصراع الدائم ضد داعش في الساحتين السورية والعراقية. وإبراز تدخل الحرس الثوري الإيراني وتدخل قاسم سليماني شخصياً بالمعركة في العراقتأتي للإشارة بأن إيران تواصل لعب دور هام كذلك على الساحة العراقية. وكذلك للتشديد في الوقت ذاته على أن إيران هي الطرف الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط ويعمل دون هوادة ضد أعداء إيران وعلى رأسهم داعش والولايات المتحدة وإسرائيل. وعلى الصعيد الشخصي تحول قاسم سليماني إلى رمز للقوة الإيرانية في المنطقة، وعليه فإن من مصلحة إيران تعظيم شخصيته داخلياً وخارجياً، حتى وإن طرأ تراجع كبير على حجم تدخله في إدارة القتال في العراق.

 

8.   ومن وجهة النظر العراقية الداخليةفإن الجهود الإيرانية الرامية إلى تعظيم دور المليشيات الشيعية العامل تحت رعايتها، وإن كان الدور الذي تلعبه تلك المليشيات دوراً هامشياً، تعمل على تعميق الشرخ الطائفي في العراق وتزيد من السخط على السنة وتضع صعوبات على طريق مواصلة المعركة ضد داعش. كما وتعمل تلك الجهود على زيادة خشية رموز النظام وخشية أبناء الطائفة الشيعية من التأثير الإيراني على السياسة العراقية الداخلية. وقد تبدت علامات لهذه المخاوف في تصريحات سياسيين عراقيين من السنة والشيعة في تعقيبهم على زيارة قاسم سليماني للفلوجة[2]. وذلك باعتبار أن تأييد السكان السنة للنظام العراقي يكتسب أهمية كبيرة بالتوازي مع تقدم المعركة لتطهير محافظة الأنبار من وجود داعش وقرب المعركة لاحتلال معقل داعش في مدينة الموصل.

[1]  إطار شامل يجمع المليشيات الشيعية المدعومة غيرانياً ويُسمى الحشد الشعبي.
[2]عقب ثلاثة من رجال السياسة السنة العراقيين على زيارة قاسم سليماني للفلوجة، حيث قالوا أن الزيارة قد تؤجج التوتر الديني وقد تضر بتصريحات النظام العراقي التي جاء فيها أن الهجوم على الفلوجة يتم في نطاق مقاومة داعش (رويترز، 28 أيار/ مايو 2016). من جهة ثانية قال نائب رئيس الحشد الشعبي (المليشيات الشيعية التي تحركها إيران) لشبكة السومرية الإخبارية أن هناك مستشارون من إيران يعملون إلى جانب الحشد الشعبي منذ بداية النضال وأكد أن سليماني يتواجد (في الفلوجة) تلبية لطلب الحكومة العراقية وبموافقة رئيس هيئة أركان الجيش العراقي (إيسنا، 29 أيار/ مايو 2016).