مروان البرغوثي: شريك في المفاوضات مع إسرائيل أم إرهابي؟


مظاهرة في الضفة الغربية دعما لإضراب السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل بقيادة مروان البرغوثي.  المشتركون يرفعون إعلام فتح الصفراء وصورا لمروان البرغوثي كتب تحتها "مهندس الانتفاضة ورمز الوحدة الوطنية" (عرب48، 16 أيار / مايو 2017)
مظاهرة في الضفة الغربية دعما لإضراب السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل بقيادة مروان البرغوثي. 
المشتركون يرفعون إعلام فتح الصفراء وصورا لمروان البرغوثي كتب تحتها "مهندس الانتفاضة ورمز الوحدة الوطنية" (عرب48، 16 أيار / مايو 2017)

يتناول هذا البحث بعض المعالم الرئيسية لسيرة مروان البرغوثي، بهدف الاطلاع على التغيرات التي خضع لها مركزه في حركة فتح ومواقفه من إسرائيل على مر السنين وتقدير مسببات هذه التغيرات. ومن القضايا التي يطالها البحث سبب تحول البرغوثي الذي كان قد دعم اتفاقات أوسلو وكان ينظر إليه على أنه من نشطاء السلام كما تحاور مع طيف واسع من الشخصيات الإسرائيلية، إلى عنصر إرهابي أدين بالقتل العمد لخمسة أشخاص وتوجيه إطار الإرهاب التابع لفتح خلال الانتفاضة الثانية؟ كما يحاول البحث تقدير مدى شعبية البرغوثي في فتح والجمهور الفلسطيني وفرص البرغوثي في خلافة أبو مازن. ومن القضايا الأخرى التي يدرسها هذا البحث مسألة هل أن البرغوثي، ورغم إدانته بالعمل الإرهابي خلال الانتفاضة الثانية يمثل شريكا في المفاوضات حول التسوية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين.

 

ملخص البحث

1.   انضم مروان البرغوثي (أبو قسام)، من مواليد قرية كوبر (الواقعة إلى الشمال الغربي من رام الله) إلى صفوف فتح سنة 1974، وهو يناهز الخامسة عشرة. وفي التاسعة عشرة من عمره تم اعتقاله لأول مرة من قبل إسرائيل وحبسه لمدة سنتين بتهمة الانتساب إلى مجموعة تابعة لفتح كانت قد ارتكبت اعتداء إرهابيا. وفي سنة 1983 انخرط البرغوثي في الدراسة الجامعية في جامعة بير زيت، والتي أكملها سنة 1994، بعد عودته إلى رام الله (ماجستير في العلاقات الدولية). وفي سنة 1986 اعتقل مرة أخرى وتم إبعاده إلى الأردن. وفي عام 1994 سمح له بالعودة إلى رام الله في إطار عودة المبعدين كجزء من اتفاقات أوسلو.

2.   وفي السنوات التالية لعودته إلى الضفة الغربية دعم البرغوثي اتفاقات أوسلو، من منطلق إيمانه بأنها ستقود في آخر المطاف إلى انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة عام 1967 وتأسيس دولة فلسطينية. وخلال تلك الفترة كان على اتصال مع طيف واسع من شخصيات اليسار والوسط الإسرائيليين وشخصيات المنظومة الأمنية، والذين كانوا يعتبرونه قائدا فلسطينيا أصيلا وشريكا رئيسيا في السلام.

3.   في سنة 2000 ترأس مروان البرغوثي التنظيم (وهو إطار لعناصر فتح الميدانيين، والذين كانوا يشكلون خلال فترة الانتفاضة الثانية راس حربة العمل الإرهابي ضد إسرائيل).  ولكن البرغوثي فقد مركزه الكبير حين خسر انتخابات التنظيم في أيار / مايو 2000 أمام حسين الشيخ. وبعد هزيمته الانتخابية رفض تسليم منصبه لحسمه لنشوب خلاف حول طبيعة الانتخابات. وفضل عرفات، ورغبة منه في تشجيع المنافسة بينهما، عدم البت في هذا الخلاف. كما أن صراعات القوة التي خاضها البرغوثي وشدة إحباطه من تصرف عرفات وقدامى فتح العائدين من تونس، كان لها دور هام في تطرف مواقف البرغوثي من إسرائيل.

4.   وحين أشرفت التسعينات على نهايتها، ولا سيما بعد فشل قمة كامب ديفيد (تموز / يوليو 2000)، تخلى البرغوثي عن الآمال التي كان يعلقها على اتفاقات أوسلو، وقد تبنى في تلك الفترة المنظور القائل بأن الكفاح المسلح وحده سيمكن الفلسطينيين من نيل حقوقهم. وعند نشوب الانتفاضة الثانية اتبع البرغوثي خطا متشددا هجوميا كان يمثل امتدادا مباشرا لما طرأ على مواقفه من إسرائيل، حيث كان البرغوثي حتى اعتقال إسرائيل له شخصية محورية في إذكاء وتوجيه الانتفاضة الثانية (حيث يصفه مؤيدوه ب"مهندس الانتفاضة").

5.   واعتقل الجيش الإسرائيلي مروان البرغوثي في 15 أبريل / نيسان 2002 وخلال عملية "السور الواقي". وفي 6 حزيران / يونيو 2004 أدانته المحكمة المركزية في تل أبيب-يافا وأصدرت حكمها عليه، حيث أدانته بالقتل العمد لخمسة أشخاص ضمن ثلاث عمليات لإطلاق النار تم ارتكابها في سنتي 2001-2002. وجاء في حيثيات الحكم أن مروان البرغوثي كان ضالعا بشخصه في هذه الاعتداءات، وفرضت عليه عقوبة السجن لمدة خمسة مؤبدات متراكمة، كما حكم عليه بالسجن عشرين عاما لإسهامه في اعتداء انتحاري تم إجهاضه.

6.   وفضلا عن إدانته بأعمال القتل وجهت إليه تهمة ترؤس منظومة إرهابية قامت باعتداءات إرهابية وإن لم يكن قد اتهم بتنفيذها شخصيا، وحكم عليه بعد إدانته بذلك بالحبس لمدة عشرين سنة أخرى. وجاء في حيثيات الحكم أن البرغوثي قدم لمصممي الاعتداءات الإرهابية ومنفذيها دعما تمثل في تحويل الأموال والوسائل القتالية، بل جاء في قرار الحكم أنه "شجع وحث الخاضعين له على مواصلة ارتكاب الاعتداءات القاتلة، كما دعم رؤساء المجموعات الإرهابية الذين قاموا بتصميم أو تنفيذ العمليات الإرهابية وذلك بأية وسيلة ممكنة…". وخلال محاكمته قدم مروان البرغوثي نفسه على أنه شخصية سياسية ساعية إلى السلام، ولكن القضاة رفضوا هذا الادعاء، بل أكدوا في نص قرارهم أن البرغوثي كان "ضالعا حتى العظم في العمل الإرهابي" وأن الطريق إلى السلام كان يمر عنده "بمسار الإرهاب الدامي".

7.   ولكن بعض الشخصيات الإسرائيلية، معظمهم وليس كلهم من الطرف اليساري للطيف السياسي، بقوا يدعون إلى إطلاق سراحه حتى بعد إدانته والحكم عليه بخمسة مؤبدات، لأنهم يعتبرون مروان البرغوثي زعيما فلسطينيا براغماتيا يُتوقع خلافته لأبو مازن وتحوله إلى شريك في السلام مع إسرائيل. وفيما يلي عدد من أهم المبررات التي ساقها مؤيدو الإفراج عن البرغوثي، وفي مقابلهم النتائج التي جاء بها هذا البحث:

         أ‌.      المبرر رقم 1: إن مروان البرغوثي ليس إرهابيا بل هو زعيم سياسي براغماتي انحرف عن المسار خلال الانتفاضة الثانية، وإن إطلاق سراحه سيسدي خدمة للتيار المعتدل في المجتمع الفلسطيني.

        ب‌.    المبرر رقم 2: إن مروان البرغوثي يملك برنامجا سياسيا معتدلايعتمد على حل الدولتين المتعايشتين جنبا إلى جنب ضمن حدود عام 1967.

        ت‌.    المبرر رقم 3: إن مروان البرغوثي شخصية قوية تستطيع قيادة الفلسطينيين إلى السلام رغم أفعاله خلال الانتفاضة الثانية، وعموما فالسلام يُصنع مع الأعداء، لا مع الأصدقاء.

        ث‌.    المبرر رقم 4: إن مواصلة الاحتفاظ بمروان البرغوثي مسجونا لا يجدي إسرائيل، لكون البرغوثي سيفوز في انتخابات الرئاسة الفلسطينية، ما سيسفر عن ممارسة ضغوط شديدة على إسرائيل للإفراج عن رئيس فلسطين المنتخب، بل قد يتم "إجبار" إسرائيل على إخلاء سبيله.

8.   أما نتائج هذ البحث، والتي سيتم تقديمها بالتفصيل فيما يلي، فتتعارض مع هذه الأقوال، وللأسباب التالية:

         أ‌.      ليس مروان البرغوثي زعيما سياسيا ارتكب الجرائم بل إنه إرهابي أكدت المحكمة ضلوعه في الإرهاب حتى العظم، وضلوعه "شخصيا وماديا" في الاعتداءات الإرهابية على مدنيين إسرائيليين أبرياء، ارتكبت كلها داخل حدود الخط الأخضر. كما أن المحكمة أكدت أن مروان البرغوثي أراد تقديم نفسه على أنه "شخصية سياسية"، بل صرح بأنه يرفض قتل المدنيين الأبرياء، ولكن المحكمة قررت أن هذه التصريحات "تتعارض وأفعال المتهم كما تم إثباتها لنا" (من نص قرار الحكم في محاكمة مروان البرغوثي، 6 حزيران / يونيو 2004).

        ب‌.    منذ نهاية التسعينات (ولا سيما خلال عام 2000) تبنى البرغوثي منظورا متطرفا يقضي بأن الإرهاب والعنف لهما دور محوري في إدارة النزاع مع إسرائيل. بل تدل تصريحاته ونشاطه داخل السجن على تمسكه بهذا المنظور حتى يومنا هذا، فيما تصرفاته كداعية سلام أصبحت في خبر كان (السنوات التالية لاتفاقات أوسلو). ومن أهم ما يبرز في تصريحاته أنه في موازاة التفاوض السياسي يجب على الفلسطينيين ممارسة الضغط على إسرائيل عبر الإرهاب والعنف ("المقاومة")، بل يرى البرغوثي أن أي اتفاق مع إسرائيل يجب أن يتضمن تجسد "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم في إسرائيل. وعليه فمن المتعذر وصف البرغوثي بداعية سلام أو بالبراغماتية، بل بالعكس، إن البرغوثي يعتمد في عمله على رؤية متشددة ستمثل عقبة أمام مفاوضات ذات قيمة بين إسرائيل والفلسطينيين.

        ت‌.    ليس مروان البرغوثي بالشخصية القوية التي يذهب مؤيدو الإفراج عنه إلى وصفه بها. فإذا كان حقا شخصية هامة ومؤثرة تتصدر نتائج استطلاعات الرأي وتتمتع بالكثير من الشعبية، ولا شك أن ثمة احتمالا بانتخابه خليفة لأبو مازن (أو تعيينه في أي منصب سياسي كبير آخر)، إلا أننا نرى أن ثمة فجوة كبيرة بين شعبية البرغوثي وتأثيره الحقيقي، فبخلاف مرحلة الانتفاضة الثانية، لا يملك البرغوثي اليوم جهازا منظما يدعمه وموطئ قدم قويا على الأرض، يمكن أن يترجما ما يتمتع به من شعبية إلى منجزات حقيقية على الأرض وداخل حركة فتح (وقد ثبت ذلك من خلال العقبات الكثيرة التي اعترضت سبيله خلال النشاط المتشعب الذي يمارسه من سجنه، وكما سيظهر هذا البحث. كما أن تأثيره على سلوك حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين ليس كبيرا، ومن غير المحتمل أن تتمكن السلطة الفلسطينية حتى تحت قيادته من فرض حكمها على قطاع غزة الذي يحكمه حماس. لذلك نرى أنه لو تم انتخاب البرغوثي خلفا لأبو مازن، فمن المشكوك فيه جدا أن يمكنه ما يملك من تأثير على الأرض وموقعه أمام حماس وباقي التنظيمات الإرهابية من قيادة الفلسطينيين إلى مفاوضات يفترض أن تتخذ القيادة الفلسطينية خلالها قرارات تاريخية حاسمة مختلفا عليها.

        ث‌.    ثمة من يقولون بأنه في حال تم انتخاب مروان البرغوثي خلفا لأبو مازن، فإن إسرائيل ستواجه طلبات من جهات دولية لإطلاق سراحه، ولكن مروان البرغوثي وراءه قائمة طويلة من الجرائم قد تسهل على إسرائيل رفض مثل هذه الطلبات، كون إدانة المحكمة له بخمسة أعمال قتل عمد بحق المدنيين والدور المحوري الذي قام به خلال الانتفاضة الثانية (والتي أسفرت عن مقتل 1000 إسرائيلي معظمهم من المدنيين) من شأنهما أن يرفدا إسرائيل بمبررات قوية لرفض الإفراج عنه، كما أن مواقفه السياسية المتطرفة ودعمه المعلن لاستمرار الإرهاب ("المقاومة") من المتوقع أن يدعما إسرائيل في رفض الضغوط الهادفة إلى إخلاء سبيله.

9.   إن الجمع بين رؤية البرغوثي المتطرفة فيما يتعلق بالنزاع مع إسرائيل وضعف مركزه داخل حركة فتح وعند الكوادر الميدانية (حتى لو تم انتخابه رئيسا أو لداء أي منصب كبير آخر) يدل بتقديرنا على أن توقعات من يعتبرونه شريكا محتملا في اتفاق سلمي، باعتباره شبيها بنيلسون منديلا، مبالغ فيها، فإن سجله في فترة الانتفاضة ورؤيته المتطرفة الخاصة بإسرائيل والتي تمثلت في تصريحاته التي ادلى به وهو مسجون، يتمخض عن احتمال حقيقي بألا يدفع إطلاق سراحه إلى إطلاق مفاوضات سلمية، بل بالعكس، فإن الإفراج عنه من شانه بالذات تخريب احتمالات التفاوض بسبب إثارة مطالب متشددة غير واقعية وتشجيع استمرار معركة الإرهاب والعنف بحق إسرائيل، وبالتالي نرى إجمالا أن مروان البرغوثي ليس شريكا مناسبا في مفاوضات سلمية مع إسرائيل.

 

البحث الكامل يمكن مطالعته على موقعنا وباللغتين العبرية والإنجليزية.