ترسُّخ داعش في ليبيا: تهديد إقليمي ودولي


دخول ناشطي داعش إلى مدينة سرت، في شمال ليبيا، في 18 من شباط 2015. حيث رافق دخولهم استعراض من القوة ساهمت فيه عشرات السيارات الميدانية من طراز تويوتا (nasher.me; twitter.com). ومنذئذ، ترسّخ داعش في سرت والمنطقة المحيطة بها، فحوّلها إلى معقل المنظمة في ليبيا ونقطة انطلاق للتمدد إلى محافظات أخرى.
دخول ناشطي داعش إلى مدينة سرت، في شمال ليبيا، في 18 من شباط 2015. حيث رافق دخولهم استعراض من القوة ساهمت فيه عشرات السيارات الميدانية من طراز تويوتا (nasher.me; twitter.com). ومنذئذ، ترسّخ داعش في سرت والمنطقة المحيطة بها، فحوّلها إلى معقل المنظمة في ليبيا ونقطة انطلاق للتمدد إلى محافظات أخرى.  

أهم النقاط في النشرة

1.     خلال سنة 2015 نجح داعش في إنشاء نقطتي ارتكاز متينتين خارج قاعدة قوته في العراق وسوريا: الأولى في شمال شبه جزيرة سيناء حيث يحرص على الحضور الأمني ويسعى من هناك إلى الاستيلاء على شبه الجزيرة برمته وأكل القوة وقدرة الحكم للنظام المصري؛ والثانية في منطقة مدينة سرت، في وسط ليبيا، حيث رسّخ داعش منطقة سيطرة إقليمية-مستقلة. ومن تلك المنطقة يسعى إلى الاستيلاء على ليبيا برمتها وتحويلها إلى نقطة انطلاق لاتّباع الإرهاب والمجهود المناهض ضد دول شمال إفريقيا، ودول إفريقيا، جنوبا لمنطقة الصحراء الكبرى ودول جنوب أوروبا. فتكون القاعدة الإقليمية-المستقلة، التي نجح داعش في انشائها في ليبيا هي الوحيدة من نوعها خارج حدود العراق وسوريا وحسب تقديرنا تكمن فيها تهديدات إقليمية ودولية خطيرة للغاية.

2.     تيسر ترسُّخ داعش  في ليبيا في أعقاب تفكك ليبيا للمحافظات الثلاث التأريخية في العصر ما بعد إعدام معمر القذافي. وكما هو الحال في العراق وسوريا، هكذا أيضا في ليبيا، تكوّن هناك فراغ حكمي وأمني، أصبحت تسدّه منظمات وطنية وإسلامية، ومليشيات قبيلية، ومحلية وإقليمية، ومنظمات جهادية. حيث استغل فرع داعش في ليبيا جيدا الفراغ الذي تكوّن، وغياب حكومة سليمة الأداء وغياب التدخل الدولي ضدها، بغرض الترسّخ في منطقة مدينة سرت والتمدد على أنحاء ليبيا.

3.     تكون "عاصمة" داعش في ليبيا هي سرت، في وسط الدولة، التي كانت في الماضي معقل معمر القذافي (شبه نظيرة للرقة في سوريا والموصل في العراق). وفي سرت ومحيطها يفرض داعش أنماط الحكم الخاصة به، على السكان المحليين حسب الأصول السلفية المتصلبة (حسبما فعله في الموصل، والرقة ومدن أخرى في العراق وسوريا). وبموازاة ذلك يقيم داعش بنية تحتية عسكرية في منطقة سرت، تشمل معسكرات تدريبات لناشطين ليبيين وأجانب. وذلك بهدف تأهيل قوة عسكرية، ستمكّن داعش من الاستيلاء على مناطق أخرى من ليبيا وترسيخ فروع لداعش في الدول المجاورة. ومن بين المناطق، التي يحملق داعش إليها توجد حقول نفطية ومنشآت نفطية، يحتاج داعش لأرباحها من أجل ترقية قدراته العسكرية.

4.     لا يعترف داعش بالدولة الليبية، التي على كل حال تفككت لمحافظاتها الثلاث التأريخية، كوحدة سياسية واحدة، كما لا يعترف بشرعية الدول القومية الأخرى في الشرق الأوسط. فبالتالي، من الناحية التنظيمية، تشتمل "الدولة الإسلامية" في ليبيا على ثلاث محافظات: محافظة طرابلس في الغرب، ومحافظة برقة (كيرينايكي) في الشرق ومحافظة فزان، في جنوب غرب ليبيا. ويحرص ناشطو داعش في ليبيا على مستويات مختلفة من الحضور والنشاط في المحافظات الثلاث (بدون تواصل جغرافي) ويسعون إلى الاستيلاء على ليبيا برمتها. ويديرون القتال في الساحات المختلفة إما ضد الحكومتين المتنازعتين في ليبيا أو ضد مليشيات منافسة، ومن بينها منظمات جهادية، تملك صلة بمنظمة 'القاعدة'(ومثلما هو الحال في سوريا، أيضا في ليبيا تشكل منظمة محسوبة على 'القاعدة'تحديا ذا ثقل لداعش في شرق الدولة). ويقدَّر قوام قوات داعش في ليبيا من قبلنا بحوالي 4000-5000 ناشط، يكون بعضهم ليبيين وبعضهم أجانب من دول عربية وإفريقية. وتستعين منظمة داعش بمليشيات إسلامية، تبرز من ضمنها منظمة سلفية باسم أنصار الشريعة.

5.     بدأ فرع داعش في ليبيا العمل في "محافظة برقة"، الواقعة في شرق الدولة. وذلك على أساس تعاون بين منظمات إسلامية-جهادية محلية وبين ناشطين سلفيين-جهاديين أجانب، اكتسب بعضهم التجربة القتالية في سوريا والعراق. وإن "النواة الصلبة"، التي أقام فرع داعش في ليبيا، كانت مكونة على ما يبدو من ناشطين محليين، خرجوا للقتال في سوريا في 2012 وبدأوا يعودون إلى ليبيا في ربيع 2014. ومن بين العائدين كان هناك ناشطو إطار عسكري باسم "كتيبة البتار"، بايع أفراده أبو بكر البغدادي. حيث أقام هؤلاء الناشطون في درنة، مدينة بطابع إسلامي في شرق ليبيا حتى ابتداءً من عصر القذافي، قاعدة السيطرة الإقليمية-المستقلة الأولى لداعش في ليبيا. وفي قاعدة السيطرة هذه أقاموا منظمة جهادية باسم مجلس شورى شباب الإسلام. وفي 22 من حزيران 2014 أعلنت هذه المنظمة عن تأييدها لداعش وزعيمه البغدادي وواصلت تمتين سيطرتها في مدينة درنة والمنطقة بأكملها.

6.     بعد سنة من ذلك (حزيران 2015) أُبعِد فرع داعش من درنة ومعظم المدن والبلدات المحيطة. فتيسر إبعاده بفضل تعاون، تم لهذا الغرض بالذات بين جهتين متنازعتين: الجيش الليبي المناهض للإسلاموية الموالي لحكومة طبرق العلمانية في الشرق، ومنظمة جهادية محلية محسوبة على 'القاعدة'باسم مجلس الشورى لمجاهدي درنة. حيث أدى هذا التعاون إلى إقصاء ناشطي داعش إلى منطقة الفتائح، منطقة جبلية جنوبا لدرنة تطلّ على المدينة. ومن نقاط الارتكاز العائدة لهم في الفتائح يواصل ناشطو داعش محاربة مجلس الشورى لمجاهدي درنة، الذي يحاول اقتلاعهم من المنطقة، ولحد الآن بدون نجاح.

7.     في حين تعرّضت فيه قاعدة القوة لداعش في درنة (وفي شرق ليبيا برمته) لضربة شديدة، نجح داعش في الاستيلاء على المدينة الكبيرة سرت، الواقعة في وسط ليبيا وعلى المنطقة المحيطة بها، على ما يبدو بواسطة قوة متنقلة نُقِلت إليها من الشرق (18 من شباط 2015). فأقام داعش في سرت المركز الإقليمي خاصته في ليبيا وأعلن عن إقامة "محافظة طرابلس"، التي تخضع مباشرة لقيادة زعامة المنظمة في العراق وسوريا. وفي مدينة سرت يوجد ميناء بحري، ومطار دولي وقواعد عسكرية، ومشاريع اقتصادية، ومنشآت نفطية وبنى تحتية حكومية. وتكون سرت هي أيضا مكان ميلاد القذافي وقاعدة التأييد القبيلية خاصته، وهكذا تكون للدعم، الذي حظي به داعش في المدينة، جذور قبيلية واجتماعية (ترتكن على أساس طموح أنصار القذافي إلى إيجاد منظمة داعمة وحامية أمام المتمردين، الذين أسقطوا نظامه[1]).

8.     بعد أن استولى على مدينة سرت احتل داعش لاحقا سلسلة من المدن والبلدات في المنطقة وأنشأ لنفسه قاعدة سيطرة إقليمية-مستقلة، مثلما فعله في العراق وسوريا. حيث يسيطر اليوم على حوالي 260 كم على امتداد الطريق الساحلي الليبي وهكذا يفصل طرابلس في الشرق عن طبرق وبنغازي في الغرب. ومن قاعدته الإقليمية-المستقلة في سرتيسعى داعش إلى الوصول إلىالعاصمة طرابلس في الغرب، وبنغازي ودرنة في الشرق والحقول النفطية في الجنوب. أما الآن فتشكل هدفا من ناحية داعش المدينة الهامة مصارتة، الواقعة في منتصف الطريق بين سرت إلى طرابلس ومدينة أجدابية القريبة من البنى التحتية النفطية الهامة (ميناء النفط السدر والبنى التحتية الوقودية في رأس لانوف).

دخول ناشطي داعش إلى مدينة سرت، في شمال ليبيا، في 18 من شباط 2015. حيث رافق دخولهم استعراض من القوة ساهمت فيه عشرات السيارات الميدانية من طراز تويوتا (nasher.me; twitter.com). ومنذئذ، ترسّخ داعش في سرت والمنطقة المحيطة بها، فحوّلها إلى معقل المنظمة في ليبيا ونقطة انطلاق للتمدد إلى محافظات أخرى.
بؤر سيطرة وحضور لداعش في ليبيا. وفي المربع الأسود تؤشَر منطقة السيطرة الإقليمية-المستقلة لداعش في منطقة سرت. وفي الدوائر الحمراء تؤشَر مدن كبيرة، يملك فيها داعش حضورا ولكنه ليس سيطرة، ومن بينها مصراتة وأجدابيا اللتين تكونان مستهدفتين (Google Maps).

9.     وعلاوة على قاعدة السيطرة الإقليمية خاصته في منطقة سرت، يحرص داعش أيضا على الحضور والنشاط في منطقة درنة-بنغازي، وفي منطقة العاصمة طرابلس وفي المدن الواقعة في أطراف منطقة السيطرة الإقليمية-المستقلة لسرت (أجدابية من الغرب ومصراتة من الشرق). وفي تلك المدن يتعرض داعش لضغوطات شديدة من جانب بؤر القوة المحلية من جراء غياب التواصل الإقليمي-المستقل وإن صعوبات التنقل والاتصال بينها وبين القاعدة الإقليمية في سرت وبين المناطق الأخرى تضعف داعش وتشكل "نقطة الضعف" لحضوره ونشاطه في ليبيا. ويمكن الافتراض بأن داعش، الذي يكون على علم ب"نقطة الضعف" هذه، يسعى إلى توسيع قاعدة السيطرة الإقليمية-المستقلة خاصته في سرت ووصلها بمناطق أخرى (مثلما اتّخذ العراق نقطة انطلاق للاستيلاء على شرق سوريا وخلق تواصلا إقليميا-مستقلا بينهما).

10.  في منطقة سرت، وأماكن أخرى، نجح فيها في الترسّخ، أقام داعش بنى تحتية عسكرية يستعملها لتنفيذ عمليات الإرهاب وحرب العصابات ضد أعدائه الكثار في ليبيا وخارجها:

أ‌.       في ليبياتستهدف عمليات الإرهاب وحرب العصابات حكومتيْ طرابلس وطبرق، والجيش الليبي المناصر لحكومة طبرق والمليشيات الكثيرة التي تحارب داعش. وتركز المنظمة الاهتمام الخاص على تنفيذ عمليات تخريبية في العاصمة طرابلس، تهدف إلى إضعاف حكومة طرابلس الإسلامية والحاق الأذى بممثليات أجنبية ورعايا أجانب. وخلال 2015 تمت مهاجمة فندق كورينتيا ("مركز عصبي" دبلوماسي وحكمي). وكذلك نُفِّذت سلسلة من العمليات التخريبية ضد ممثليات أجنبية (لم تثمر نتائج ذات ثقل). وهاجم داعش أيضا بضعة مرات حقولا نفطية شرقا وجنوبا شرقا لسرت (حتى الآن بدون انجازات ملحوظة). وكذلك تمت عمليات إعدام ذات تغطية إعلامية ل"كفار"، نصرانيين قبطيين من مصر ونصرانيين من إرتريا، بغرض ترهيب أعدائه.

ب‌.    خارج ليبيا استهدفت أغلبية عمليات الإرهاب تونس بسبب ضعفها النسبي وقربها من بؤر السيطرة لداعش في ليبيا. وفي السنة الأخيرة نُفِّذت في تونس سلسلة من العمليات التخريبية الاستعراضية كانت متورطة فيها بنية تحتية لداعش في ليبيا: عملية اطلاق نار تخريبية في متحف باردو في تونس؛ عملية اطلاق نار تخريبية ضد موقع سياحي في مدينة سوسة ومهاجمة باص في تونس العاصمة، نقل أفراد حرس الرئاسة. وفي جميع الحالات تبنّى داعش المسؤولية عن العمليات التخريبية وفي جميع الحالات أُفيد بأن البنية التحتية لداعش في ليبيا كانت متورطة في العمليات التخريبية من خلال تدريب الإرهابيين، وتزويدهم بوسائل قتالية وبعثهم إلى تونس. وعلاوة على ذلك يجري داعش التعاون العملياتي مع فروع للمنظمة في دول شمال إفريقيا، الواقعة جنوبا لمنطقة الصحراء الكبرى. حيث تبرز خصوصا الصلات بين فرع داعش في ليبيا وبين فرع داعش في شبه جزيرة سيناء وبينهما وبين بوكو حرام، منظمة جهادية في نيجيريا، بايعت أبو بكر البغدادي. 

11.  ومثلما يكون عليه الحال في العراق وسوريا، تكون ليبيا هي دولة تفككت، تشهد حربا أهلية، من المنتظر استمرارها المزيد الكثير من الوقت. وذلك إما من جراء الاختلافات العميقة، بين بؤر القوة المختلفة أو من جراء قدرة وصول الأطراف المتنازعة إلى أصول عسكرية واقتصادية على شكل حقول نفطية، "صناعة" تهريب اللاجئين واحتياطيات كبيرة من الأسلحة والذخائر من عصر القذافي (إن الوسائل القتالية هذه، بعضها راقي الجودة، يهرَّب البعض منها من ليبيا إلى الدول المجاورة لها العربية والإفريقية). وفي هذه المرحلة لا يزال يصعب تقدير قدرة داعش على تحقيق طموحاته البعيدة الأثر في الدولة الليبية الممزقة ولكنه من الواضح، أن داعش حصل فيها على حضور ثابت متين، لن يتنازل عنه بسهولة، إزاء أهمية ليبيا الكبيرة في نظره.

12.  إن استمرار ترسّخ داعش (ومنظمات جهادية أخرى) في ليبيا تكمن فيه حسب تقديرنا تشكيلة متنوعة من المخاطر والتهديدات المحتملة، الليبية الداخلية، والإقليمية والدولية:

أ‌.       في الساحة الليبية الداخلية: لا يشكل داعش لاعبا حصريا في الساحة الليبية بل واحدا من بؤر قوة كثيرة تتصارع على السلطة. وإن ترسّخ داعش (والمنظمات الجهادية الأخرى) في ليبيا يُسهم في تعميق واستمرار غياب النظام والفوضى القائمين في ليبيا على كل حال، ويصعّب جدا تثبيت حكم مركزي، من أي نوع كان (لأسباب كثيرة، لا ترتبط بداعش فقط). وبالتالي، بالرغم من جهود التسوية بين حكومتيْ طرابلس وطبرق، نعتقد أن ليبيا من المنتظر أن تكون في السنوات القريبة دولة مقسمة في الواقع، تنزف دما من جراء حرب الجميع ضد الجميع الدائرة فيها، والتي تخلق بهذا فراغا حكميا وأمنيا، سيسهل استمرار ترسُّخ داعش  وسيصعّب اقتلاعه من الجذور.

ب‌.    قد يوسع داعش ويعمق صلاته مع منظمات جهادية في شمال إفريقيا ودول إفريقية، جنوبا لمنطقة الصحراء الكبرى، ويتحول إلى "مصدّر" إقليمي لإرهاب ومجهود مناهض

1)    من بين دول شمال إفريقيا اليوم تكون تونس هي المستهدفة. وفي المستقبل قد يزيد داعش من تقديم مساعدته لمنظمات جهادية في دول إفريقية، جنوبا لمنطقة الصحراء الكبرى (ومن ضمنها النيجر، وتشاد، ومالي والسودان). وفي غرب إفريقيا يجري داعش صلات وطيدة مع المنظمة الجهادية بوكو حرام في نيجيريا، التي بايعت زعيم الدولة الإسلامية.

2)    إن الصلات القائمة بين البنية التحتية لداعش في ليبيا وبين أنصار بيت المقدس، فرع داعش في شبه جزيرة سيناء قد تتوطد. حيث قد تكون الترجمة الميدانية لذلك، ضمن ما تكونه، الزيادة من نطاق تهريب الوسائل القتالية من ليبيا لصالح فرع داعش في شبه جزيرة سيناء (أيضا ربما تصل الأسلحة إلى منظمات إرهابية في قطاع غزة). وتملك ليبيا حدودا عديمة موانع الاجتياز بطول 1115 كم مع مصر، يتم عبرها تهريب ناشطين ووسائل قتالية إلى مصر من قبل منظمات وعصابات إجرامية على اختلافها، ومن ضمنها أيضا داعش. وينظر النظام المصري إلى ترسُّخ داعش في ليبيا وخصوصا في شرقها كتهديد على الأمن الوطني لمصر ولكنه لحد الآن لم يتّبع تدابير فعالة لوقف ترسُّخه.

إن موقع ليبيا الجغرافي قد يحولها إلى بؤرة تهديدية إقليمية. فقد يحول داعش ليبيا إلى دولة تصدّر الإرهاب والمجهود المناهض إلى الدول المجاورة لها ودول أبعد (Google Maps).
إن موقع ليبيا الجغرافي قد يحولها إلى بؤرة تهديدية إقليمية. فقد يحول داعش ليبيا إلى دولة تصدّر الإرهاب والمجهود المناهض إلى الدول المجاورة لها ودول أبعد (Google Maps).

ت‌.    التهديدات على إيطاليا وبقية الدول الأوروبية:

1)    لقرب ليبيا من إيطاليايشكل داعش تهديدا محتملا على إيطاليا وعلى أوروبا برمتها (تبلغ المسافة بين سرت وصقلية 696 كم، أي حوالي 432 ميلا). حيث قد يشجع القرب الجغرافي بينهما داعش على بعث عناصر تخريبيين إلى إيطاليا ودول أخرى من أوروبا، بعد أن يترسخ في منطقة سرت وأماكن أخرى. فإن تهديدات بالإرهاب من جانب ناشطي داعش في ليبيا تجاه إيطاليا، أُسمِعت في الشبكات الاجتماعية المحسوبة على داعش، قد تلقى في نهاية الأمر ترجمة إلى اللغة العملية. وبعد الهجمة الإرهابية في باريس نشر داعش شريطا قصيرا، تحت العنوان "باريس قبل روما"، يدل على أنه في سلم الأفضليات تحتل فرنسا مرتبة ما قبل إيطاليا، ولكن دور روما أيضا سوف يأتي. ويمكن أيضا أن انشغال فرع داعش في ليبيا بإيطاليا يتأثر ليس فقط بالقرب الجغرافي، وبمركزية روما في العالم النصراني، بل أيضا بتراث الاحتلال الإيطالي لليبيا.

من الأعلى: نشر حساب تويتر محسوب على داعش خارطة للبحر الأبيض المتوسط من شمال ليبيا إلى أوروبا، كُتِب عليها: "أنفروا لفتح روما". من الأدنى: على جزء الخارطة، الذي يظهر فيه شمال ليبيا، كُتِب "بوابة روما" (حساب التويتر دقة ياشيخ الله ايطريك @dagadarna، 22 من آب 2015). حيث تمثل روما لداعش ليس فقط عاصمة إيطاليا بل العالم النصراني برمته.
من الأعلى: نشر حساب تويتر محسوب على داعش خارطة للبحر الأبيض المتوسط من شمال ليبيا إلى أوروبا، كُتِب عليها: "أنفروا لفتح روما". من الأدنى: على جزء الخارطة، الذي يظهر فيه شمال ليبيا، كُتِب "بوابة روما" (حساب التويتر دقة ياشيخ الله ايطريك @dagadarna، 22 من آب 2015). حيث تمثل روما لداعش ليس فقط عاصمة إيطاليا بل العالم النصراني برمته.

2)    تشكل ليبيا مركز انطلاق لمهاجرين ولاجئين، يتدفقون بكثرة إلى إيطاليا عن طريق البحر. فيشمل هؤلاء المهاجرون ليبيين، ومهاجرين من دول إفريقية ولاجئين من دول عربية[2]. فإن ترسّخ داعش في ليبيا، الذي ترافقه أعمال قاسية تجاه شرائح سكانية مختلفة، قد يزيد من تيار المهاجرين واللاجئين الخارجين من ليبيا. وقد يشجع داعش خروج اللاجئين، ويعمل على أن يخترق بواسطتهم عناصر تخريبيون إيطاليا ويستفيد من سيطرته على موانئ ليبيا لتحقيق أرباح مالية.

ث‌.    تحقيق أرباح مالية من البنى التحتية النفطية والغازية في ليبيا: قد يستولي داعش على بنى تحتية نفطية وغازية أو يحاول الحاق الأذى بها ويهدد عليها من قاعدة سيطرته الإقليمية-المستقلة في سرت. وذلك بغية الاشتراك في تحقيق أرباح تصدير النفط من ليبيا إلى دول الغرب (الذي لا يزال يستمر، مع كونه على نطاق أدنى بكثير مما كان الحال عليه قبل الثورة) أو على الأقل حرمان أرباح النفط من أعدائه. وخلال سنة 2015 هاجم داعش بضعة مرات منشآت نفطية وبنى تحتية نفطية. فهاجم مؤخرا داعش ميناء النفط الهام السدر بعد أن احتل مدينة بن جواد القريبة من الميناء. ومن المتوقع أن يزيد داعش من جهوده هذه. فإن استيلاء داعش على بنى تحتية نفطية وخلق مصادر دخل من أرباح النفط قد يؤدي إلى ترقية قدراته العسكرية-الإرهابية-الحكمية، كما حدث في العراق وسوريا

13.  إلى جانب إجمالي هذه التهديدات يملك داعش في ليبيا أيضا "نقاط ضعف" غير قليلة، سيمكن استغلالها في كل معركة مستقبلية ضده: يكون قوام قواته في ليبيا مقلصا (بضعة آلاف من الناشطين). حيث تضطر هذه القوات إلى مواجهة جيوش، ومليشيات ومنظمات معادية- بما فيه منظمات محسوبة على 'القاعدة'- تفوق داعش قوةً بكثير؛ وإن منظمات وقبائل، تؤيد داعش على أساس ائتلافات لهذا الغرض بالذات ومصالح متغيرة، قد تتركه وتتوجه إلى حلفاء آخرين؛ وإنه بين مجال السيطرة لداعش في سرت وبين بؤر أخرى من حضور ونشاط له في ايبيا ليس هناك تواصل إقليمي-مستقل ويصعّب هذا الأمر نقل قوات من منطقة لأخرى؛ وخلافا للحال في العراق/سوريا لم ينجح داعش بعد في الاستيلاء على حقول نفطية وتحويلها إلى مصدر دخل ذي ثقل للمنظمة؛ وتكون جميع الدول المتاخمة لليبيا معادية لداعش ومن المعقول أنها ستتعاون مع أي ائتلاف، سيضع هدفا له أن يقتلع من الجذور نقاط الارتكاز لداعش في ليبيا.

14.  على أي حال، إن ائتلافا دوليا أو بين عربيا كهذا لا يزال غير قائم. ومع ذلك في دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وكندا ولدى الدول المجاورة لليبيا ومن ضمنها مصر وتونس يتزايد الوعي بالمخاطر الكامنة في ترسّخ داعش في ليبيا. فإن إستراتيجية الولايات المتحدة ضد داعش، كما تطبَّق منذ أيلول 2014، تدّعي بتوفير الردّ الشامل على التحدي الذي يضعه داعش، ولكنها فعلا ليست كهذا. وذلك لأنها تتركز على العراق وسوريا. فلا توفر الرد على ظاهرة تمدّد داعش إلى دول أخرى وعلى رأسها ليبيا ومصر وعلى التهديدات المحلية والإقليمية، التي يشكلها هذا التمدد. ومن أجل مواجهة إجمالي المخاطر، الكامنة في ترسّخ داعش في ليبيا، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والعالم العربي أن تغير رؤية المعركة ضد داعش وتحولها إلى شاملة من خلال توسيعها إلى ليبيا ودول أخرى، يحاول داعش الترسّخ فيها.

 
ملاحظات منهجية

15.  يكون هدف هذه النشرةهو دراسة ترسّخ فرع داعش في ليبيا في الفترة ما بعد سقوط القذافي وتحليل المخاطر المحتملة الكامنة في ذلك. حيث تدرس النشرة ترسّخ داعش في ليبيا على الخلفية الواسعة من تفكك ليبيا لجيوش ومليشيات، الذي خلق فراغا، يسّر ترسّخ داعش في هذه الدولة.

16.  يشكل ترسّخ داعش في ليبيا حدثا تأريخيا قيد التطور يتأثر بالصدمة التي تشهدها المنطقة برمتها. فلا تزال ليبيا تخضع لفوضى حكمية وعسكرية، وإن الملامح التمييزية النهائية بين الأطراف المتنازعة والوضع الميداني، لا تزال سائلة. فأدت هذه المميزات إلى صعوبة عضوية في تأليف هذه النشرة البحثية. فبالتالي ينبغي اعتبارها تلخيصا انتقاليا، حديثا لكانون الثاني 2016، أشرنا في إطارها إلى صورة الوضع الحالية والتهديدات المنبثقة عنها.

17.  خلال تأليف النشرة البحثية وجدنا أنه هناك نقص في معلومات موثوق بها حول ما يدور في ليبيا، وخصوصا حول فرع داعش في ليبيا. حيث تكون المعلومات التي استعملناها في هذه النشرة، جزئية وواجهنا أكثر من مرة ظهور ثغرات معلوماتية كثيرة. وحيث أن الحديث هنا يدور حول فترة حديثة زمنيا، لا يزال ينقصها البعد التأريخي، هناك صعوبة في الاستناد إلى الأدب الأكاديمي واضطررنا إلى استعمال معلومات أولية خصوصا.

18.  لغرض تأليف النشرة تم استعمال مصادر متنوعة ومن ضمنها شبكات اجتماعية ومواقع إنترنت، محسوبة على داعش. وكذلك تم استعمال معلومات من الصحافة الليبية، والعربية والعالمية (مع كون نطاق المعلومات المنشور عن نشاط داعش في ليبيا يقل بكثير عن ذلك المنشور عن العراق وسوريا، اللتين تحتلان جوهر الاهتمام الدولي). وفي النشرة استُعمِلت النشرة الأسبوعية الصادرة عن مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب "نظرة على الجهاد العالمي" التي تتتبع، بين ما تتتبعه، التطورات في ليبيا. وكذلك استُعمِلت مقالات وبحوث عن داعش وعن الوضع في ليبيا عموما، تم تأليفها من قبل صحافيين أو باحثين في معاهد بحثية، معظمهم في الولايات المتحدة وبعضهم الأصغر في أوروبا وإسرائيل.

19.  عند دراسة الوضع في ليبيا، وترسّخ داعش ضمن هذا، يجب اتّباع الحذر من المعلومات الدعائية الكثيرة المنشورة على أيدي داعش أو أعدائه الكثار، التي تهدف إلى تعزيز مصالحهم. حيث يهدف بعض من المعلومات المنشورة عن داعش وعن فرع داعش في ليبيا، إلى تعظيم صورة داعش أو التقليل من ثقل صورته والتشهير به، والكل حسب مصلحة الجهة الناشرة للمعلومات. ولذلك أُلِّفت النشرة بالحذر المطلوب، إزاء الثغرات المعلوماتية والتحريفات البارزة للمعلومات المتوفرة.

مبنى النشرة
أهم النقاط في النشرة

فصل أ: مكانة ليبيا حسب رؤية داعش:

1)    داعش–مميزات عامة.

2)    أهداف داعش في ليبيا.

3)    ليبيا كنقطة انطلاق لدول أخرى في شمال إفريفيا.

4)    إستعمال الساحل الليبي لتهريب لاجئين إلى أوروبا.

5)    نشاط إرهابي ضد إيطاليا ودول أخرى في أوروبا.

6)    ليبيا كبديل ممكن عن العراق وسوريا.

فصل ب: نقاط رئيسية في ترسّخ داعش في ليبيا:

1)    عام.

2)    مرحلة أ: خروج الناشطين الجهاديين الليبيين إلى سوريا وعودتهم إليها (2012-2014).

3)    مرحلة ب: الترسّخ والتزايد ضعفا لنقطة الارتكاز الإقليمية-المستقلة لداعش في درنة (نيسان 2014-حزيران 2015).

4)    مرحلة ت: إقامة قاعدة إقليمية-مستقلة جديدة لداعش في مدينة سرت ومحيطها (إبتداءً من شباط 2015).

مرحلة ت: ترسّخ داعش في مدينة سرت وضواحيها:

1)    قوة داعش في سرت وحلفاؤه المحليون.

2)    أنماط السيطرة لداعش في سرت.

3)    إستيلاء داعش على مشاريع اقتصادية في ضواحي سرت.

فصل ث: تمدّد داعش إلى أماكن أخرى في ليبيا:

1)    عام.

2)    تمدّد داعش في منطقة مدينة سرت.

3)    مدن في غرب ليبيا، يملك فيها داعش حضورا ولكنه ليس سيطرة فعالة.

4)    حضور داعش في طرابلس وغربا لها.

5)    سعي داعش إلى الاستيلاء على البنى التحتية النفطية في ليبيا. 

فصل ج: قوام قوات داعش في ليبيا وزعامة المنظمة:

1)    عدد ناشطي المنظمة وأصولهم.

2)    معلومات حول الناشطين المركزيين لداعش في ليبيا.

فصل ح: عمليات الإرهاب وحرب العصابات لداعش في ليبيا:

1)    هدف هجمات الإرهاب وحرب العصابات.

2)    أنماط عمل داعش في ليبيا.

3)    معسكرات التدريبات.

4)    هجمات إرهاب وحرب عصابات لداعش في غرب ليبيا وشرقها.

فصلخ: ليبيا ك"مصدرة" إرهاب إلى الدول المجاورة لها:

1)    "تصدير الإرهاب" إلى تونس.

2)    توزيع وسائل قتالية على مجموعات جهادية خارج ليبيا.

3)    تعاون بين فرع داعش في ليبيا وفرع داعش في شبه جزيرة سيناء.

4)    تعاون بين فرع داعش في ليبيا ومنظمة بوكو حرام في نيجيريا.

فصل د: النشاط التوعوي لداعش في ليبيا:

1)    مميزات عامة.

2)    إنتاج أشرطة قصيرة.

3)    إنتاج صور ثابتة.

4)    إنتاج نشرات.

5)    مواقع إنترنت.

6)    مدونات ومنتديات.

7)    إذاعات وقناة تلفزيون.

ملحق: الخلفية الليبية الداخلية لترسّخ داعش في ليبيا:

1)    الخلفية السياسية، والجغرافية والاجتماعية التي تصعّب تثبيت نظام ليبي جديد في العصر ما بعد القذافي.

2)    تفكك ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.

3)    تشكُّل حكومتين متنازعتين في طبرق وطرابلس.

4)    التعرف إلى مواصفات الجيوش والمليشيات الرئيسية العاملة في ليبيا.

5)    محاولات لإقامة حكومة وحدة. 

تأتي هذه النشرة أيضا باللغة الإنكليزية.

[1]    يكون الانضمام في ليبيا لأنصار القذافي في السابق وداعش إلى بعضهم البعض، مشابها لانضمام بقايا نظام صدام حسين (ضباط جيش عراقيين وأفراد حزب البعث) وداعش في العراق إلى بعضهم البعض. فتعني هذه الظاهرة أن داعش يمثل ليس فقط فكرة إديولوجية (وطريقة عملية لتطبيقها) بل أيضا مجهودا لأفراد "النظام القديم"، الذين تم حرمانهم من مكانتهم، للعودة برعاية داعش إلى مقدمة المنبر السياسي.[2] من ضمن أكثر من مليون لاجئ ومهاجر، دخلوا في 2015 إلى الدول الأوروبية عن طريق البحر والبر، وصل حوالي150,000 إلى إيطاليا عن طريق البحر الأبيض المتوسط من دول شمال إفريفيا. ويبدو أن أغلبيتهم وصلت من ليبيا.